الشيخ العلامة احمد الحملاوي المتوفى سنة 1351
مولده ونشأته:
هو الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الحملاويّ. عالم لغوي مصري
. وأحد رواد علم اللغة والصرف بالقرن التاسع عشر. مؤلف كتاب فن الصرف الشهير شذا العرف
في فن الصرف .
ولد سنة 1273 هجرية – 1856 م ينتمى إلى الدوحة العلوية الكريمة، نسبة إلى منية
حمل من قرى بلبيس بمحافظة الشرقية بمصر.
تربّى في حجر والده، وقرأ وتلقى كثيراً من العلوم الشرعية
والأدبية عن أفاضل عصره، ثم دخل مدرسة دار العلوم، وتلقّى الفنون المقرّرة قراءتها
بها.
ونال الشيخ إجازة التدريس من دار العلوم سنة 1306 هـ = 1888 م، فعيّن مدرساً بالمدارس الابتدائية بوزارة المعارف. ثم عندما أعلنت دار العلوم حاجتها إلى مدرّس للعلوم العربية، وعقدت لذلك امتحان مسابقة كان الشيخ من أوائل المبرّزين فيه، فنقل إلى دار العلوم.
وفي سنة 1897 ترك الأستاذ التدريس بمدارس الحكومة، مؤثراً الاشتغال بالمحاماة في المحاكم الشرعية، وفي أثناء ذلك أقبل على التحضير لنيل شهادة العالمية من الأزهر، فنال بغيته، وكان أوّل من جمع بين العالمية وإجازة التدريس من دار العلوم. وعلى أثر ذلك عهدت إليه الجامعة الأزهرية في تدريس التاريخ والخطابة و الرياضيات لطلابها. وفي سنة 1902 أضيفت إليه مع ذلك نظارة مدرسة عثمان باشا ماهر، وقد قضى الشيخ أحمد الحملاوي في نظارة هذه المدرسة خمساً وعشرين سنة، انتفع به فيها طلاب كثيرون،كان يمدّهم بمعارفه المتفنّنة الواسعة، ويتعهدهم بالتربية الإسلامية والقومية القوية، ويزوّدهم بنصائحه وتجاربه الكثيرة؛ إلى أن علت سنه، فآثر الراحة، وترك العمل سنة 1928 م.
معارفه العلمية:
كسب الشيخ معارفه العلمية في بيئتين:
بيئة الأزهر
درس فيه علوم الدين: من تفسير، وحديث وعقائد، وفقه، على
مذهب الشافعيّ، الذي خالط حبّه شغاف قلبه، وتمكن من نفسه، ودرس العلوم اللسانية: من
نحو، وصرف، وعروض، وبلاغة، ووضع... الخ، على شيوخ عصره، وأحرز من كل ذلك قسطاً موفوراً،
دلّ عليه تمكنه منها في كتبه ودروسه، وإحرازه درجة العالمية، بعد تركه خدمة الحكومة.
بيئة دار العلوم
أنشأ دار العلوم علي مبارك باشا وزير المعارف المصرية، لتخريج
معلمين، يحسنون تعليم اللغة العربية والدين، لتلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية.
وكان طلابها حينئذ ينتخبون بامتحان مسابقة من صفوة الطلاب الأزهريين، الذين أنهوا دراساتهم
أو كادا ينتهون منها، وكانوا يدرسون فيها العلوم الدينية والعربية لزيادة التمكن، إلى
جانب العلوم التي لم تكن في الأزهر: من بيداجوجيا، و أدب، ولغة، وكتابة، وخطابة، ورياضيات،
وطبيعيات، وتاريخ، وجغرافيا، وخط، ورسم.
كان الجمع في دار العلوم بين العلوم الإسلامية والعربية القديمة، وبين العلوم المدرسية الحديثة ـ كما كانوا يسمونها ـ ، ثم بي المنهجين النظريّ والتطبيقيّ، وخليقاً أن يطبع خريجي دار العلوم وفتئذ بطابع وسط بين القديم المتمثل في الدراسات الأزهرية، والحديث المتمثل فيما يدريس بالمدارس المصرية الحديثة، والجامعات الأوروبية. وقد جنت مدارس وزارة المعارف ثمرات هذه المدرسة القديمة والحديثة، التي وصلت ماضي الأمة العربية بحاضرها، فكانت من العوامل في النهضة الأدبية والعلمية، التي ظهرت بواكيرها في وادي النيل منذ بدء القرن التاسع عشر. لذلك أقبل كثير من أذكياء الطلاب الأزهريين على دار العلوم، ينهلون من ثقافتها المختلطة. وكان المؤلف من الرّعيل الأول الذي استبق إليها، فنهل وعلّ من معارفها وآدابها. ونال إجازة التدريس منها سنة 1888 م،
مكانته العلمية:
كان الشيخ رحمه الله ضليعاً في علوم العربية: نحوها وصرفها
ولغتها وعروضها وبلاغتها وأدبها، وكان يروي من ذلك كله ويحفظ الشيء الكثير، مع حسن
اعتناء بفهم ما يحفظ، وجودة نقد لما يروي، وبراعة استخراج للعبرة والفائدة. وكان النحو
والصرف واللغة والشعر الميدان المحبّب إليه، يجول فيها فيمتع، ويتتبع أقوال الأوائل
والأواخر، فلا يكتفي ولا يشبع. ويظهر لي أنه كان معجباً بابن هشام الأنصاري من النحاة
المصريين (708 – 761 هـ) وبما جمع شرحه لألفية ابن مالك الموسوم بأوضح المسالك إلى
ألفية ابن مالك، من مادة غزيرة. فحفظ مسائله، وجعله أساس دراساته النحوية والصرفية،
وتحقيقاته اللغوية، التي كان ينثرها بين يدي تلاميذه في دروسه ومحاضراته. ومنه التقط
أغلى درره التي ألف منها كتابه شذا العرف في فن الصرف، مع ما أضاف إليها من شذرات أخرى،
من مفصل الزمخشري، ومن شافية ابن الحاجب، وشرحها لرضي الدين الأستراباذي، وغيره من
محققي الأعاجم المتأخرين، الذين عنوا بالدراسات الصرفية، وأشبعوها تأليفاً وتوضيحاً
وتصنيفاً.
وقد أسبغ الشيخ على هذه المادة التي أحسن اختيارها من كتب العلماء، كثيراً من ذوقه وخبرته بأساليب التعليم والتصنيف، فتصرّف فيها توضيحاً وتهذيباً، وتنسيقاً وتبويباً، حتى جاء هذا الكتاب محكم الطريقة، واضح الأسلوب، جامعاً للعناصر الضرورية التي لا بد منها لدارسي اللغة وفنونها، ممثلاً ما وصلت إليه الثقافة اللغوية في مدارس البصرة و الكوفة و بغداد و الفسطاط و الأندلس، ثم ما انتهت إليه أخيراً على يد ابن مالك و أبي حيّان وتلاميذها من رجال المدرسة النحوية الأخيرة، التي لا تزال آثارها قوية باقية. وإجمال القول، أن كتاب شذا العرف من أنفع الكتب لطلاب الداراسات الصرفية في المدارس والمعاهد وبعض الكليات.
أما سائر معارف الشيخ من اللغة والعروض والأدب العربي: شعره ونثره، والتاريخ والجغرافيا والرياضيات، فقد كان محيطاً بها إحاطة قلما اتفقت لرجال المدرسة القديمة التي عاصرته في الأزهر، وقد كسب الكثير منها في دار العلوم، وفي قراءاته الخاصّة،
كان رحمه الله معنياً بتتبع ما يطبع من الكتب الحديثة التي يؤلفها رجال عصره، كحفني بك ناصف، ومحمد بك دياب، ونظرائهما من رجال المعارف، وكان ينقدها ويساجل أصحابها في بعض مآخذها، كما كان مشغوفاً بقراءة ما ينشر من الكتب القديمة، ويستفيد منها فوائد لا تلبث أن تصبح موضوع حديثه مع تلاميذه. أذكر مرة أنه علم بنشر كتاب الهمع للسيوطي لأول مرة سنة (1327 هـ = 1909 م) فبعث في شراء نسخة منه، ثم جاء في ثاني يوم يقول لطلابه: «قرأت أمس في كتاب الهمع للسيوطي أن من اللغات في لفظة «الّلائي» من الأسماء الموصولة: «الّلا» بالقصر، التي شاعت بين العامة، فينطقها بعضهم باللام المشددة مفتوحة، وبعضهم بكسرها وقلب الألف ياء «الّلي» وكنا نظنها عامية، فإذا هي من صميم اللغة في بعض أحوالها. هكذا كان الشيخ مولعاً بالجديد، وهكذا كان شديد الحرص على إفادة تلاميذه كل نفيس من قديم أو حديث.
تلاميذه:
أما تلاميذ الشيخ الذين أخذوا عنه في دار العلوم فكثيرون،
من اشهرهم الأساتذة:
الشيخ عبد العزيز شاويش بك
محمد عاطف بركات باشا
الشيخ محمد الخضري بك
الشيخ مهدي زيكو
الشيخ أحمد الإسكندري
الشيخ حسن منصور
الشيخ محمد مهدي خليل.
وممن تلقوا العلم عليه في مدرسة المرحوم عثمان ماهر باشا
الأساتذة:
حسن مأمون رئيس المحكمة الشرعية العليا،
عبد الله عفيفي،
أمين الخولي،
أحمد زكي صفوت،
حسن محمد زهران (المحامي)،
طه أبو بكر،
مهدي علام،
مصطفى السقا.
وصفوة القول أن العلامة الشيخ أحمد الحملاويّ هو أحد أركان
النهضة اللغوية في العصر الحديث، بما ألّف من كتب، وبما تخرّج على يديه من رجال القضاء
الشرعي والمحاماة وأساتذة اللغة العربية، وكلهم ممن شغلوا مكاناً فسيحاً في حياة مصر
العلمية والأدبية، في معاهدها الكبرى، وجامعاتها القديمة والحديثة.
مؤلفاته:
وللشيخ مؤلفات هي:
1 – شذا العرف في فن الصرف.
2 – زهر الربيع في المعاني والبيان والبديع (طبع أول مرة
سنة 1327 هـ = 1909 م) بالمطبعة الأميرية.
3 –مورد الصفا في سيرة المصطفى (طبع أول مرة سنة 1358 هـ
= 1939 م) بمطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بالقاهرة.
4 –قواعد التأييد في عقائد التوحيد (رسالة صغيرة طبعت بمطبعة
مصطفى البابي الحلبي وأولاده بالقاهرة سنة (1372 هـ = 1953 م).
5 – ديوان شعره. تم طبع الجزء الأول منه في أول يونيه سنة
1957 م، بمطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بالقاهرة.
ومؤلفات الاستاذ الحملاوي وآثاره واسعة الجوانب، يحتاج كل منها إلى درس خاص، ولا سيما ديوان شعره.
وفاته:
أدركته الوفاة في (22 من شهر ربيع الأول سنة 1351 = 26 من يوليو سنة 1932 م).
شذا العرف في فن الصرف
تاريخ التأليف:
أضف تعليقك