خطبة الجمعة 12 أغسطس: المسجدُ مكانتُهُ وآدابُهُ ودورُهُ في المجتمعِ

 

الجمعة 14 من المحرم 1443 هـ

عناصرُ الخطبةِ:

أولًا: أهميةُ المسجدِ ومكانتُهُ في الإسلامِ

ثانيًا: آدابُ المسجدِ في الإسلامِ

ثالثًا: دورُ المسجدِ في صلاحِ الفردِ والمجتمعِ 


المـــوضــــــــــوعُ


الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليه وسلم. أمَّا بعدُ:


أولًا: أهميةُ المسجدِ ومكانتُهُ في الإسلامِ


للمسجدِ أهميةٌ كبيرةٌ في الإسلامٍ، وتزامنًا مع الاحتفالِ بالهجرةِ النبويةِ المشرفةِ فإنَّ أولَ عملٍ قامَ به الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ بعدَ الهجرةِ هو بناءُ مسجدِ قباءٍ ثم المسجدِ النبويِّ الشريفِ، ولعلَّ في ذلك إشارةً واضحةً لأهميةِ وجودِ المسجدِ في المجتمعِ الإسلامِي الناشئِ، حيثُ أقامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم دولتَهُ في المدينةِ على ثلاثةِ أسسٍ هي قوامُ أي مجتمعٍ إسلاميٍّ على مدَى العصورِ والقرونِ. فالأساسُ الأولُ: المسجدُ ليربطَ العبدَ بخالقهِ ورازقهِ. والأساسُ الثاني: المؤاخاةُ ليربطَ المسلمَ بأخيهِ المسلمِ. والأساسُ الثالثُ: المعاهداتُ ليربطَ المسلمَ بغيرِ المسلمِ، وبذلك قامتْ الدولةُ الإسلاميةُ وامتدتْ إلى جميعِ الأقطارِ والأمصارِ. 


إنَّ حضارةَ الإسلامِ التي أقامَهَا لا تقومُ إلَّا علَى المسجدِ، ولا تصلحُ إلَّا بالمسجدِ، ولا يكونُ لها نورٌ إلَّا بالمسجدِ، فقد انطلقتْ معالمُ الإسلامِ مِن المسجدِ الذي كان أولُ شئٍ فعلهُ بعدَ الهجرةِ، ليكونَ روضةً مِن رياضِ الجنةِ، شيخُهُ: مَن عقِمتْ الأرحامُ أنْ تأتِيَ بمثلِهِ محمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلم، وتلاميذُهُ: أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ والصحابةُ الأجلاءُ، وأمَّا موادُهُ المقررةُ فهي الوحيُ السماويُّ الخالدُ، وأمَّا الشهادةُ المطلوبةُ للتخرجِ فهي أنْ تكونَ كلمةُ اللهِ هي العليَا، فبناءُ المسجدِ لم يكنْ على سبيلِ المصادفِةِ، ولم يكنْ مجردَ إشارةٍ عابرةٍ ،لكنهُ منهجٌ أصيلٌ، فلا قيامَ لأمةٍ إسلاميةٍ بغيرِ المسجدِ، أو قلْ لا قيامَ لأمةٍ إسلاميةٍ بغيرِ تفعيلِ دورِ المسجدِ .


يقولُ أحدُ المستشرقينَ (يدعَى زهيرُ): "ما زالَ المسلمونَ في قوةٍ مادامَ معهم القرآنُ والمسجدُ" .

إنَّ المساجدَ كلَّهَا فوائدٌ وحسناتٌ، كما قالَ الحسنُ البصريُّ – رحمهُ الله -: " أيُّها المؤمنُ! لن تعدمَ المسجد إحدَى خمسِ فوائدٍ أولُهَا: مغفرةٌ مِن اللهِ تكفرُ ما سلفَ مِن الخطيئةِ، وثانيها: اكتسابُ رجلٌ صالحٌ تحبُّهُ في اللهِ، وثالثُهَا: أنْ تعرفَ جيرانَك َفتتفقَّدَ مريضَهُم وفقيرَهُم، ورابعُهَا: أنْ تكُفَّ سمعَكَ وبصرَكَ عن الحرامِ، وخامسُهَا: أنْ تسمعَ آيةً تهديكَ".


إنَّ المساجدَ أحبُّ الأماكن إلى اللهِ تعالى وإلى رسولهِ وإلى المؤمنينَ الصالحينَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا ". (مسلم).

فالمسجدُ فيهِ السكينةُ والطمأنينةُ والرحمةُ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ."(مسلم).


كما أنَّ المسجدَ صلةٌ مباشرةٌ بينَ العبدِ وربِّهِ، وحينما تنقطعُ صلةُ الإنسانِ بهذهِ الحياةِ، ويوضعُ في قبرِهِ فإنَّهُ يتمنَّى لو عادَ إلى الدنيَا مرةً أُخرى لا ليجمعَ الأموالَ أو يحصلَ المناصبَ، بل ليصلِّى ركعتينِ فقط، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ، فَقَالَ: "مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ؟ "فَقَالُوا: فُلانٌ، فَقَالَ:" رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ ". (الطبراني بسند صحيح).

وكفَى بالمسجدِ فضلًا أنَّ المتعلقَ بهِ في ظلِّ اللهِ يومَ القيامةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". (متفق عليه).


ثانيًا: آدابُ المسجدِ في الإسلامِ


للمسجدِ آدابٌ كثيرةٌ منها:

التنظفُ والتطهرُ والتطيبُ عند الإتيانِ إلى المساجدِ: فعن الحسنِ بنِ عليٍّ رضي اللهُ عنه أنَّهُ إذا قامَ للمسجدِ لبسَ أحسنَ ثيابِهِ وأجودِهَا، فسُئِلَ عن ذلك فقال: إنَّ اللهَ جميلٌ يجبُّ الجمالَ، وإنِّي أتجمَّلُ لربِّي وهو يقولُ: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }. (الأعراف: 31).


ومنهَا: تنظيفُ المسجدِ: فكما أنَّ المسلمَ مستحبُّ له أنْ يأتيَ للمسجدِ متطهرًا نظيفًا، فكذلك ينبغي أنْ يكونَ المسجدُ مهيّأً للمصلينَ بنظافتهِ وصيانتهِ عن كلِّ ما يؤذيهِم، وما أعظمُ أجر ذلك عندَ اللهِ، وكفاكَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم حزنَ على المرأةِ السوداءِ التي كانت تقُمُّ المسجدَ عندما ماتتْ. ولما رأى بصاقًا في جدارِ مسجدِهِ مرةً، غضبَ غضبًا شديدًا وحكَّ البصاقَ وقالَ: {الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا} (البخاري).


ومنها: عمارُةُ المساجدِ: يقولُ سبحانَهُ: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]. والعمارةُ نوعان:

النوعُ الأولُ: العمارةُ الحسيةُ: وذلك ببنائِهَا وتشييدِهَا، ففي الصحيحينِ مِن حديثِ عثمانَ رضي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قالَ: "مَن بنَى للهِ مسجدًا بنىَ اللهُ له بيتًا في الجنةِ"، فيا لها مِن بشرى لمَن بنوا مساجدَ أو ساهمُوا فيها، فالقصورُ العظيمةُ لبنةٌ مِن ذهبٍ ولبنةٌ مِن فضةٍ، تنتظرُهُم في جناتِ النعيمِ .


النوعُ الثاني:

العمارةُ المعنويةُ: بالصلاةِ والذكرِ والقرآنِ، وهذا هو مرادُ الشارعِ مِن بناءِ المساجدِ.

ومنها: المشيُ إلى المساجدِ بالسَّكينةِ والوقارِ: فلعظمِ المسجدِ ومكانتِهِ، فإنَّ الماشِي إليهِ ينبغِي أنْ يتحلَّى بالسكينةِ والوقارِ، وعدمِ الإسراعِ. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلاَ تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا».( البخاري).


ومنها: صلاةُ تحيةِ المسجدِ: فالمسجدُ بيتُ اللهِ العظيم، فلا بدَّ لداخلِهِ الذي يريدُ الجلوسَ فيهِ مِن تحيتهِ وهي ركعتان، فعن أَبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ».(البخاري). وهو مِن السنةِ المؤكدةِ جدًا التي يتساهلُ فيها بعضُ الناسِ.


ومنها: النهيُ عن تخطِّي الرقاب: لما فيهِ مِن الأذيةِ للناسِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَعَلَ يَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ» . (ابن ماجة وابن حبان بسند حسن).


ومنها: النهيُ عن إنشادِ الضالةِ في المسجدِ: وفي ذلك يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا». ( مسلم) .


ومنها: عدمُ رفعِ الصوتِ في المسجدِ: حتى ولو كانَ بقراءةِ القرآنِ، لِئَلَّا يكونَ مؤذيًا ومشوشًا على المصلين. فعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ قَالَ نَافِعٌ لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ }(متفق عليه)، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْمِعْ كَلَامَهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ (الترمذي)، لشدةِ خفضِ صوتهِ في المسجدِ، وهذا ما جعلَ ثابتُ بنُ قيسٍ يختبئُ في بيتهِ ويبكِي لما نزلتْ هذه الآيةُ وقال: أنا خطيبُ الرسولِ وأرفعُ صوتِي، يا ويلِي حبطَ عملِي وأنا مِن أهلِ النارِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ، فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ، مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ: فَرَجَعَ المَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ:" اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ" (البخاري).


ومنها: تحريمُ البيعِ و الشراءِ في المسجدِ: وفي ذلك يقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ: " إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ " .( النسائي والترمذي ). 


فإنَّ مَن باعَ واشترَى في المسجدِ ارتكبَ أمرًا محرمًا؛ لأنَّه خدشَ قداسةَ الشريعةِ، وانتهكَ حرمتَهَا وصيانتَهَا. 


ثالثًا: دورُ المسجدِ في صلاحِ الفردِ والمجتمعِ 


للمسجدِ دورٌ كبيرٌ في صلاحِ الفردِ والمجتمعِ في جميعِ مجالاتِ الحياةِ:

ففي المجالِ الدينِي والروحِي: نجدُ أنَّ للمسجدِ أثرهُ الفعال في الجانبِ الروحِي والعبادِي، فحينما تدخلُ المسجدَ فإنَّك تقومُ بحرقِ ذنوبِكَ خمسَ مراتٍ يوميًا، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ , فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ غَسَلَتْهَا , ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ غَسَلَتْهَا , ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ غَسَلَتْهَا , ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ غَسَلَتْهَا ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ غَسَلَتْهَا , ثُمَّ تَنَامُونَ , فَلَا يُكْتَبُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَسْتَيْقِظُوا» [الطبراني بسند صحيح]، فضلاً عن  الراحةِ النفسيةِ، فكان- صلَّى اللهُ عليه وسلم - إذا حزبَهُ أمرٌ فزعَ إلى الصلاةِ ويقولُ: «يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا».( أبوداود بسند صحيح).


وفي المجالِ الدعوِيِ: نجدُ أنَّ المسجدَ هو الأساسُ في المجالِ الدعوِي ليسَ للمسلمين فحسب، بل للمسلمِ وغيرِ المسلمِ، ومِن اللطائفِ عن المسجدِ جوازُ إدخالِ الكافرِ للتعليمِ، ليسمعَ كلامَ اللهِ في المسجدِ، واستدلُّوا على ذلك بحادثةِ إسلامِ ثمامةَ بنِ أثالٍ كما جاء في الصحيحين مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه. 


وفي المجالِ العلمِي: نجدُ أنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلم قد جعلَ مِن المسجدِ جامعةً لنشرِ العلمِ وتخريجِ العلماءِ، فكان المسجدُ جامعةً كبرى للعقائدِ، والأخلاقِ والسلوكِ والآدابِ والشعرِ والخطابةِ وغيرِهَا.  

وفي المجالِ الأخلاقِي: نجدُ أنَّ ارتيادَ المسجدِ يغرسُ في النفسِ القيمَ الأخلاقيةَ، ولهذا المعنى شُرعتْ العباداتُ كلُّهَا، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}. (العنكبوت:45).

وفي المجالِ الاجتماعِي: نجدُ أنَّ المسجدَ مكانُ التقاءِ المسلمين وتقوية الأواصرِ بينهم، كما يعملُ على التكافلِ والتعاونِ والتشاركِ، وتذيبِ الفوارقِ بينهم. وصدقَ القائلُ:


أيُّها المسجدُ يا مأوى الحنين
*******
فيك يا مسجدُ فجرُ المؤمنيـــن
فيك أطيارُ الهدَى قد سبَّحت
*******
وسرى في قلبِكَ الحبُّ الدفين
وبلالُ الشوقِ نادَى سَحَـرًا
*******
ادخلوهَا بســــــــــــــلامٍ آمـــــــــــــنين


هذا هو دورُ المسجدِ، وهذه هي رسالةُ المسجدِ، لو أُديتْ على أكملِ وجهٍ لصلحَ حالُ البلادِ والعبادِ.

نسألُ اللهَ أنْ يجعلَ تعلقَنَا بالمساجدِ طريقًا إلى ظلِّهِ، يومَ لا ظلَّ إلّا ظلُّهُ،،،


الدعاء........                                                              وأقم الصلاة،،،، 

كتبه فضيلة الدكتور/ خالد بدير بدوي 

خادم الدعوة الإسلامية – مصر


 

أسئلة الزائرين

لإرسال سؤال أو التعليق يرجى تسجيل الدخول

أضف تعليقك