الجمعة 2 من رمضان 1444 هـ
الحمدُ للهِ الذي جعلَ الصومَ حصنًا لأوليائهِ وجُنَّةً، وفتحَ لهُم بهِ أبوابَ الجنةِ، والصلاةُ والسلامُ علي سيّدِ الخلقِ وممهدِ السنةِ، وبعدُ:
قالَ تعالَي ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)﴾ [البقرة: 183] افتتحتْ الآيةُ بالنداءِ بصفةِ الإيمانِ لتحريكِ العقيدةِ في قلوبِ المؤمنين وحضهِم علي الاستجابةِ لِمَا سيكلفُون بهِ مِن أحكامٍ؛ لآنَّ مِن شأنِ المؤمنِ أنْ يُطيعَ اللهَ في كلِّ ما يأمرُ بهِ وينهَي عنه، وختمَ اللهُ الآيةَ بقولهِ (لعلكم تتقُون) وهي جملةٌ جِيءَ بهَا لبيانِ الحكمةِ مِن الصيامِ وهي أنَّ الذي يحققُ الصيامَ بآدابهِ وشروطهِ وأركانهِ ينالُ الخشيةَ ودرجةَ التقوي مِن اللهِ تباركَ وتعالي.
فعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ، فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ .(البخاري 1896)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ مَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ
أجلْ يا باغِيَ الخيرِ أقبلْ كفاكَ أَحَدَ عشرَ شهرًا، ويا باغِيَ الشرِّ أقصرْ فأمامَكَ فرصةٌ ونفحةٌ لن تعوضَ.
عبادَ اللهِ يَنْبَغِي لِمَن أصبحَ صَائِمًا أَنْ يَقُولَ لِلِسَانِهِ إِنَّكَ الْيَوْمَ صَائِمٌ مِن الْكَذِبِ والنميمةِ وَقَولِ الزُّورِ وَالْبَاطِلِ والغيبةِ، ولعينيهِ إنَّكُمَا الْيَوْمَ صائمتَانِ عَن النّظرِ إِلَى مَا لَا يحلُّ لَكُمَا، وللأذنينِ إنَّكُمَا الْيَوْمَ صائمتانِ مِن الِاسْتِمَاعِ إِلَى مَا يكرَهُ رَبُّكُمَا، ولليدينِ إنَّكُمَا الْيَوْمَ صائمتانِ مِن الْبَطْشِ فِيمَا حرمَ عَلَيْكُمَا مِن الْغِشِّ فِي البيعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالعطَاءِ، وللبطنِ إِنَّكِ الْيَوْمَ صَائِمَةٌ عَن الْمطعمِ فانظرِي على مَاذَا تفطرِي وتجنبِي الْمطعمَ الْخَبيثَ الَّذِي تدعين إِلَيْهِ، فَإِنّ اللهَ طيبٌ وَلَا يقبلُ إِلَّا الطّيبَ، وللقدمينِ إنَّكُمَا الْيَوْمَ صائمتانِ مِن السَّعْيِ إِلَى مَا يكْتبُ عَلَيْكُمَا وزرهُ وَيبقَى قبلكما تباعتهُ وإثمهُ.
وَمَن وقفَ لهَذَا وصبرَ عَلَيْهِ فقد أوفَى بِعَهْدِ نبيِّهِ ﷺ، ومخاطبةُ ابْن آدمَ لجوارحهِ بِمَا تقدمَ وَصفهُ يجبُ على العَبْدِ اسْتِعْمَالهُ أَيَّامَ صَوْمِهِ وَغَيرِهَا مَا دَامَ حَيًّا وَهَكَذَا كلمَا أصبحَ صباحٌ أَو أقبلَ مسَاءٌ وفقنَا اللهُ وَإِيَّاكُم لاستعمالَ ذَلِك وَأَمْثَالِهِ بتوبةٍ صَادِقَةٍ مخلصةٍ عاجلةٍ بكرمهِ.
فَاللهَ اللهَ عبادَ اللهِ امتثلُوا فِي هَذَا الشَّهْرِ المكرمِ وَفِي غَيرهِ لأوامرِ اللهِ تَعَالَى وانتهُوا عَن نواهيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.
وَشهرُ رَمَضَانَ بَينَ الشُّهُورِ كيوسفَ بَينَ إخْوَتهِ فَكَمَا أَنَّ يُوسُفَ أحبُّ، الْأَوْلَادِ إِلَى يَعْقُوبَ كَذَلِك رَمَضَانُ أحبُّ الشُّهُورِ إِلَى علامِ الغيوبِ.
رُوِيَ أَنَّ الْحسنَ الْبَصْرِيَّ مرَّ بِقومٍ يَضْحَكُونَ فَوقفَ عَلَيْهِم وَقَالَ إِنَّ اللهَ تَعَالَى قد جعلَ شهرَ رَمَضَانَ مضمارًا لخلقهِ يَسْتَبقُونَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ فَسبقَ أَقوامٌ ففازُوا وتخلفَ أَقوامٌ فخابُوا، فالعجبُ للضاحِكِ اللاعبِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فَازَ فِيهِ المسارعون وخابَ فِيهِ الباطلُون، أمَا وَاللهِ لَو كُشِفَ الغطاءُ لاشتغلَ المحسنُ بإحسانهِ والمسيءُ بإساءتهِ،
فَاللهَ اللهَ عبادَ اللهِ اجتهدُوا أَنْ تَكُونُوا مِن السَّابِقين وَلَا تَكُونُوا مِن الخائبين فِي شهرٍ شرّفَهُ ربُّ الْعَالمين.
فَاللهَ اللهَ اصرفُوا ضيفَكُم رَمَضَانَ بالكرامةِ واحرصُوا فِيهِ على طلبِ طَرِيقِ الاسْتقَامَةِ إِلَى أَنْ يقْضِي بكم إِلَى دَارِ الْكَرَامَةِ والخلدِ والمقامةِ وسرمدِ الْعِزِّ والكرامةِ وينجيكُم مِن هولِ يَوْمِ الطامةِ.
رُوِيَ عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّه قَالَ (أحبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللهِ عزَّ وَجلَّ صَلَاةُ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأحبُّ الصّيامِ إِلَى اللهِ تَعَالَى صِيَامُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ ينَامُ مِن اللَّيْلِ نصفَهُ وَيقومُ ثلثَهُ وينامُ سدسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيفْطرُ يَوْمًا).
وفي مدرسةِ الصومِ يتعلمُ الانسانُ المسلمُ قيادةَ النفسِ وترويضَهَا، والذي يملكُ نفسَهُ يملكُ قوةً عظيمةً.
والصومُ يُقويِّ مِن صفةِ المراقبةِ في نفسِ المؤمنِ بخوفهِ مِن اللهِ، فاعلمْ أيُّها المؤمنُ المحبُّ للهِ ورسولهِ أنَّ الصومَ ليس مجردَ جوعٍ وعطشٍ فربَّ صائمٍ ليسَ لهُ مِن الصومِ إلَّا الجوعُ والعطشُ ولكنِّ الصومَ صومُ القلبِ.
قالَ الشاعرُ
يا خادمَ الجسمِ كم تسعَي لخدمتهِ أتطلبُ الربحَ فيمَا فيه خسرانُ
أقبلْ على النفسِ فاستكملْ فضائلِهَا فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ
نسألُ اللهَ سبحانَهُ وتعالي أنْ يجملنَا بأحسنِ الأخلاقِ وأنْ يقبلَ مِنّا الصيامَ والقيامَ إنَّه على كلِّ شيئٍ قدير.
فضيلة الشيخ/ أحمد دهشان
واعظ وعضو لجنة الفتوى - مصر
English
France
أسئلة الزائرين