السنة النبوية وحي من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم الذي يتبع ما يوحى إليه في جميع أفعاله وأقواله, قال تعالى في أصل رسالة نبيه: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الأحقاف:9].
فكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من فعل أو قول هو شرح وتوضيح لما أنزله الله عز وجل, قال الرازي في تفسيره: إن الرسول هو المبين لكل ما أنزله الله تعالى على المكلفين (مفاتيح الغيب 20/31).
وقد كان الصحابة إذا أشكل عليهم شيء من كتاب الله عز وجل يرجعون إليه صلى الله عليه وسلم فيبين لهم ما خفي عنهم, ويفصل لهم ما أجمل فيه, لذلك أضحت السنة ضرورية للوصول إلى الفهم الصحيح والتدبر السليم لآيات القرآن الحكيم.
وهذه الشروح والأحكام التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي من وحي الله عز وجل كما قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44], ولذلك قال الإمام الشافعي: كل ما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن.
وقال السيوطي: من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولا من القرآن, فما أجمل منه في مكان فقد فسر في موضع آخر, وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر منه, ثم قال: فإن أعياه ذلك طلبه من السنة, فإنها شارحة للقرآن وموضحة له (الإتقان في علوم القرآن 2/434).
ومن هنا أيضا أكد الإمام الشاطبي رحمه الله أن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هي بيان للكتاب, قال: لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه وهو السنة, لأنه إذا كان كليا، وفيه أمور كلية, كما في شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها فلا محيص من النظر في بيانه (الموافقات 3/369).
والتفسير النبوي للقرآن الكريم هو كل ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم تفسيرا وافيا لما في القرآن; من بيان لمجمل, أو توضيح لمشكل, أو تقييد لمطلق, أو إفهام لمعنى كلمة أو شرح جملة, أو زيادة حكم فهمه من القرآن; قال القرطبي: البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين: بيان لمجمل في الكتاب كبيانه للصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر أحكامها, وكبيانه مقدار الزكاة ووقتها, أما النوع الآخر فهو زيادة على حكم الكتاب كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها, وتحريم الحمر الأهلية (الجامع لأحكام القرآن 1/72).
ومن الأمثلة الواضحة لبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما نزلت آية (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) [البقرة:187] عمد عدي بن حاتم رضي الله عنه إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض, فجعلهما تحت وسادته, فجعل ينظر في الليل فلا يستبين له, فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك, فقال: «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار» (البخاري 2/677).
وقد انتهج النبي صلى الله عليه وسلم منهجا وسطا في التوضيح, فلم يسهب في الشرح وذكر ما لا فائدة منه, إنما اهتم ببيان المعاني الضرورية التي لا تحتمل تأخيرا, أو تلك التي لا يمكن معرفتها إلا عن طريقه, أما فيما عدا ذلك فقد تركه للمسلمين ليشحذوا فيه زناد عقولهم تفكيرا وتدبرا.
وعلى هذا النهج فصلت السنة مجمل القرآن الكريم في مسائل كثيرة; ومن ذلك قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة:43], فقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال أفعاله وأحاديث عدد ركعات الصلاة وكيفيتها, ومقدار الزكاة ونصابها.
كما خصص عليه الصلاة والسلام العام, ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) [الأنعام:82] شق ذلك على المسلمين, فقالوا: يا رسول الله, أينا لا يظلم نفسه؟ قال: «ليس ذلك, إنما هو الشرك» (البخاري 6/2542).
وكذلك قيد المطلق, حيث حددت السنة القطع في السرقة باليد اليمنى من المفصل وذلك شرحا لآية: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) [المائدة:38], كما أوضح المبهم مثل قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) [البقرة:238] فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها صلاة العصر (البخاري 5/2349).
إننا إذا أعدنا الفكر والتأمل في هذه المسائل ندرك أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم إلا مقرونا بالسنة النبوية المشرفة, ذلك أن السنة النبوية والقرآن الكريم كليهما وحي من الله عز وجل, مصداقا لقوله سبحانه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:3-4].
أسئلة الزائرين