المرأة في الحضارة الإسلامية: ميراث المرأة بين الحقائق والافتراءات

 

من الأمور الشائكة حول وضع المرأة فى الحضارة الإسلامية مسألة ميراثها، فيتردد كثيرًا قول بعضهم: «إن الإسلام ظلم المرأة؛ حيث جعل نصيبها فى الميراث نصف نصيب الرجل »، ونحن المسلمين نؤمن بثوابت راسخة من صفات الله تعالى، تجعل تلك الشبهة لا تطرأ على قلب أي مسلم أو مسلمة، وتتمثل تلك الثوابت في أن الله سبحانه حكم عدل، وعدله مطلق، وليس في شرعه ظلم لبشر أو لأي أحد من خلقه.

أما مسألة الفروق في أنصبة المواريث فهي أساس قضية المواريث في الفقه الإسلامي، ولا تختلف الأنصبة في المواريث طبقًا للنوع، وإنما تختلف الأنصبة طبقًا لثلاثة معايير:

الأول: درجة القرابة بين الوارث والمورِّث: ذكرًا كان أو أنثى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث؛ دون اعتبار لجنس الوارثين، فترى البنت الواحدة ترث نصف تركة أمها (وهي أنثى)، بينما يرث أبوها ربع التركة (وهو ذكر)، وذلك لأن الابنة أقرب من الزوج؛ فزاد الميراث لهذا السبب.

الثاني: موقع الجيل الوارث: فالأجيال التي تستقبل الحياة، وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتتخفف من أعبائها، بل تصبح أعباؤها- عادة-مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات، فالبنت الواحدة للمتوفي ترث أكثر من أمه-وكلتاهما أنثى- وترث بنت المتوفي أكثر من أبيه كذلك في حالة وجود أخ لها مثلاً.

الثالث: العبء المالي: وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى، لكنه تفـاوت لا يفـضي إلى أي ظـلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح.

ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في العاملين الأولين (درجة القرابة، وموقع الجيل) -مثل أولاد المتوفَّى، ذكوراً وإناثاً- يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث؛ ولذلك لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين، وإنما حصره في هذه الحالة بالذات، والحكمة في هذا التفاوت- في هذه الحالة بالذات- هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى- هي زوجه- مع أولادهما، بينما الأنثـى الوارثة أخت الذكر إعالتها مع أولادها، فريضة على الذكر المقترن بها.

فهي، مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها الذي ورث ضعف ميراثها، أكثر حظًّا وامتيازًا منه في الميراث؛ فميراثها مع إعفائها من الإنفاق الواجب هو ذمة مالية خالصة ومدخرة، لجبر الاستضعاف الأنثوي، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات، وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين.

ومن أعباء الرجل المالية التي بسببها يزيد حظه في الميراث:

1- أن الرجل عليه أعباء مالية في بداية حياته الزوجية وارتباطه بزوجته، فيدفع المهر، يقول تعالى: (وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء:٤]، والمهر التزام مالي يدفعه الرجل للمرأة من تشريعات بداية الحياة الزوجية، والمرأة تتميز في ذلك عن الرجل؛ حيث ليس من حقه أن يطالب بمهر من المرأة إذا ما أرادت أن تتزوج منه.

2- أن الرجل بعد الزواج ينفق على المرأة، وإن كانت تمتلك من الأموال ما لا يمتلكه هو، فليس من حقه أن يطالبها بالنفقة على نفسها، فضلًا عن أن يطالبها بالنفقة عليه، لأن الإسلام ميَّزها وحفظ مالها، ولم يوجب عليها أن تنفق منه.

3- أن الرجل مكلف كذلك بالأقرباء وغيرهم ممن تجب عليه نفقتهم، حيث يقوم بالأعباء العائلية والالتزامات الاجتماعية التي يقوم بها المورِّث باعتباره جزءًا منه، أو امتدادًا له، أو عاصبـًا من عصبته.

هذه الأسباب وغيرها تجعلنا ننظر إلى المال أو الثروة نظرة أكثر موضوعية، وهي أن الثروة والمال أو الملك مفهوم أعم من مفهوم الدخل، فالدخل هو المال الوارد إلى الثروة، وليس هو نفس الثروة، حيث تمثل الثروة المقدار المتبقي من الواردات والنفقات.

وبهذا الاعتبار نجد أن الإسلام أعطى المرأة نصف الرجل في الدخل الوارد، وكفل لها الاحتفاظ بهذا الدخل دون أن ينقص سوى من حق الله كالزكاة، أما الرجل فأعطاه الله الدخل الأكبر وطلب منه أن ينفق على زوجته وأبنائه ووالديه إن كبرا فى السن، وعلى من تلزمه نفقته من قريب وخادم. وما استحدث في عصرنا هذا من الإيجارات والفواتير المختلفة، مما يجعلنا نجزم بأن الله فضل المرأة على الرجل في الثروة، حيث كفل لها حفظ مالها، ولم يطالبها بأي شكل من أشكال النفقات.

ولذلك حينما تتخلف قضية العبء المالي كما هي الحال في شأن توريث الإخوة والأخوات لأم، نجد أن الشارع الحكيم قد سوَّى بين نصيب الذكر ونصيب الأنثى منهم في الميراث، قال تعالى: (وإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء:١٢]. فالتسوية هنا بين الذكور والإناث في الميراث؛ لأن أصل توريثهم هنا الرحم، وليسوا عصبةً لمورِّثهم حتى يكون الرجل امتدادا له من دون المرأة، فليست هناك مسؤوليات ولا أعباء تقع على كاهله بهذا الاعتبار.

وباستقراء حالات ومسائل الميراث انكشف لبعض العلماء والباحثين حقائق قد تذهل الكثيرين؛ حيث ظهر أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل. تلك هي ثمرات استقراء حالات ومسـائل الميراث فى عـلم الفرائض (المواريث)، والتي توضح مدى تقدير حضارة الإسلام لمكانة المرأة.

 

أسئلة الزائرين

لإرسال سؤال أو التعليق يرجى تسجيل الدخول

أضف تعليقك