عقيدة الذكر

 

يقول ربنا سبحانه وتعالى في محكم كتابه مبيناً ومرشداً: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152]. وعندما كنت في مراحل الطلب جلس الشيخ يشرح لي معانيها لأكثر من عامين ثم بعد ذلك اكتشفت أنني قد انتهيت من الكلمة الأولى فقط (فَاذْكُرُونِي) ولم ندخل بعد في قوله تعالى: (أَذْكُرْكُمْ) ولم ندخل في قوله: (وَاشْكُرُوا لِي) ولا في قوله تعالى: (وَلَا تَكْفُرُونِ) وذلك بعد استغراق عامين كاملين في الشرح والتفكير والتأمل في قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي) وهذا شأن كلام ربنا سبحانه وتعالى وهذا هو ما ينبغي علينا أن نفعله مع كتاب ربنا فنجعله كتاب هداية ومحلاً للتدبر والتفكر ومحلاً لتحويل أوامره سبحانه وتعالى ونواهيه إلى واقع نعيشه ونتأمل في هذه الأوامر وتلك النواهي حتى نسعد مع السعداء بنور هداية الله تعالى.

(فَاذْكُرُونِي) كلمة واحدة عليها قوام الدنيا وصلاحها وعليها قوام سعادة الإنسان وطمأنينة قلبه وبها تتأكد الصلة بين الخالق والمخلوق ومن خلالها يغرق الإنسان في بحر من النور فيكون غريق النور وليس غريق الفساد والظلمة ولا غريق الاغترار والمعصية!!..

ولقد فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبين عن ربه كيف نذكر ربنا سبحانه وتعالى في كل وقت وحين وكيف نطور حياتنا إلى ذكر لله بالإيمان وبالعمل وكيف يؤثر هذا الذكر في تلك الحياة وفي مظهرها فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض وكان كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: «كان خلقه القرآن» رواه أحمد في مسنده والنبي صلى الله عليه وسلم تعلق قلبه بذكر الله ونسي الدنيا من فيها وما فيها ولكنه لم ينس ربه حتى لمح هذا من تكلم عن نسيانه في الصلاة فقال:

يا سائلي عن رسول الله كيف سها  **   والسهو من كل قلب غافل لاه

قد غاب عن كل شيء سره فسها      **     عما سوى الله فالتعظيم لله

كان قلبه صلى الله عليه وسلم مع ربه دائماً وقد ينغلق قلبه مع الخلق بعض الوقت وهو مكلف بالتبليغ.. مكلف بإرشاد الخلق إلى دين الحق.. مكلف بأن يتصل بهم لذلك فهو يستغفر الله في اليوم سبعين مرة أغلق باب قلبه مع الخلق أما باب قلبه مع الحق فهو مفتوح دائماً.

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله فهو أبتر أو قال أقطع» (أخرجه أحمد في مسنده)

وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يبدأ بالبسملة في كل أمر ذي بل كان يبدأ بها عند الوضوء وكان يبدأ به عند غسله وكان يبدأ بها عند مفتتح جلسته وكان يبدأ بها في كل أمر ذي بال حتى يكون مبدوءاً بذكر الله سبحانه وتعالى وقد نبه أيضاً في رواية أخرى فقال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع» (أخرجه ابن حبان في صحيحه) وعلى ذلك فالمقصود بالبسملة وبالحمدله هو الذكر ، وهو أن نبدأ أعمالنا بذكر الله سبحانه وتعالى وعلى هذا بدأ المصنفون والمؤلفون كتبهم بالبسملة وبالحمدلة وبالصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالشهادتين إعلاناً إلى أن هذا العلم إنما هو من إطار ذكر الله وأنه يبدأ بالله وينتهي بالله وأنه لا يكون تصرف في هذا الكون إلا كما أمر الله.. وأنه تبرؤ من الحول ومن القوة.. إنه التجاء إلى الله سبحانه وتعالى في كل وقت وحين.

إن الذكر جزء من عقيدة المسلم ولا يكمل إيمانه إلا به حتى ألف العلماء كتباً مفردة في الأذكار فألّف ابن تيمية رحمه الله تعالى «الكلم الطيب» اختصر فيه تلك الأذكار أذكار المساء والصباح حتى تنظر فيه وتشكر الله سبحانه وتعالى على كل حال وألّف ابن القيم «الوابل الصيب من الكلم الطيب» وألف الإمام النووي كتاب «الأذكار» وألّف الشوكاني «تحفة الذاكرين» وألّف ابن الجزري «الحصن الحصين» وما زال المؤلفون يؤلفون الرسائل من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذكار الصباح والمساء حتى يومنا هذا.. (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر:15].

فلا بد أن تغير حياتك أيها المسلم وأن تحافظ على الذكر فالذكر ينور القلوب ويغفر الذنوب ويستر العيوب ويؤكد علاقتك مع الله فكن من الذاكرين لله كثيراً والذاكرات ولا يتغب عن بالك قط قول الله تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].

 

أسئلة الزائرين

لإرسال سؤال أو التعليق يرجى تسجيل الدخول

أضف تعليقك