خطبة الجمعة 17 مارس 2023م: التكافل المجتمعي واجب الوقت

 

الجمعة 25 شعبان 1444هـ

الحمد لله رب العالمين، الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، القائل فى كتابه الكريم ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ)) وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، القائل (( واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه )) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم

أما بعد


أيها المسلمون، فإن الناس على أصناف شتى فمن الناس من يعيش لنفسه فقط، ومنهم من يعيش لأسرته، ومنهم من يعيش لأمته، وشر هؤلاء على الإطلاق هو الصنف الأول، وهو كل إنسان أناني، لا يحب إلا نفسه، ولا يعرف إلا ذاته، ولا يبحث إلا عن مصالحه الخاصة، وأغراضه الشخصية، وهذا بلا شك يضاد تشريعات هذا الدين العظيم الذى ندين به ، حيث جاءت  آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعونا إلى التكافل والتكاتف الاجتماعي فيما بيننا قال تعالى: (( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ )) سورة النساء الآية رقم ٣٦  وقال تعالى (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ  )) سورة المائدة الآية رقم ٢


*  على الجانب الأخر  هناك آيات كثيرة فى القرآن  تحذرنا من المصير الذى ينتظر الإنسان الأنانى الذى كان بمعزل عن هموم المحتاجين من  الناس ،  وتخلى عن مد يد العون إليهم قال تعالى (( إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ ٱلۡعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ (34) فَلَيۡسَ لَهُ ٱلۡيَوۡمَ هَٰهُنَا حَمِيمٞ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ (36) لَّا يَأۡكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡخَٰطِـُٔونَ (37) )) الايآت من سورة الحآقة وقال أيضا ((مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ (42) قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ (43) وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ (44)   )) الآيات سورة المدثر وقال ((أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ (3)  )) سورة الماعون 


* أيها المسلمون إن من أعظم وأهم الأسس التي زرعها النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه وهو يبنى قواعد هذه الأمة لهو مبدأ التكافل والتكاتف الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وأن يكون الجميع لحمة واحدة، بل جسدا واحداً كما وصفه الحبيب محمد كما في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير قال: قال صلى الله عليه وسلم ((مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)) بل بين النبي صلى الله عليه وسلم الأجر والثواب العظيم لمن كان داعماً ومساعدا لأخيه المسلم ، وأن هذا التكافل ليس قاصراً على التكافل المادي فقط ، وإنما هناك أوجه كثيرة للتكافل والتعاون بين أفراد المجتمع يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((من نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ ، ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ ، واللَّهُ في عونِ العَبدِ ، ما كانَ العَبدُ في عونِ أخيهِ )) أخرجه مسلم وغيره عن أبى هريرة.


بل تتجلى قمة الدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التكافل بين أفراد المجتمع، وأننا علينا مسؤولية تجاه الأخرين وأن هذه تتجاوز حدود ونطاق الأسرة التي يعولها رب الأسرة ، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((ليس بمؤمنٍ من بات شبعان وجارُه إلى جنبِه جائعٌ وهو يعلمُ)) أخرجه البيهقي وغيره عن ابن عباس بسند صحيح.


* وكم كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على قدر المسؤولية وكم كانوا نماذج مشرقة ومشرفة في هذا المضمار ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت, والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر: انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا -أو قال طعاما- فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان: حبًّا وكرامة، ادخلوا فاشتروا. فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله -تبارك وتعالى- بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين.


الخطبة الثانية


لقد وصل الأمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يؤثرون غيرهم على أنفسهم ولو كانوا في أشد الحاجة إلى ذلك حتى صدق فيهم قول الله تعالى ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ))


إن أولى الناس بالاهتمام والرعاية هم من تلزمنا النفقة عليهم شرعا من آباء وأمهات وأبناء وبنات وإخوة وأخوات.


ونحن مقبلون على موسم من مواسم العبادة ألا وهو شهر رمضان، ما أحوجنا ان نكون صفا واحداً، جسدا واحداً نكون عوناً لكل محتاج، مصدر سعادة وفرح لكل مكروب

جعلنا الله وإياكم من الذين يكونون سبباً لجلب السعادة لغيرنا   

     

بقلم فضيلة الشيخ/ خالد القط

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية


 

أسئلة الزائرين

لإرسال سؤال أو التعليق يرجى تسجيل الدخول

أضف تعليقك